السبت، 26 ديسمبر 2009

حاشية ماضي

ليته لم يكبر ليرى اعز الناس من حوله يتلاشون يحترقون وهو يقف صامتا لا حول له ولا قوة، وبداخله وجع ذو امتداد لا نهاية له وصوت يصرخ داخله بأعلى قوة تزلزل أركانه لكن لم يكن احد يسمعه، لم يعرف احد بتلك المشاعر سوى مخدته الباكية والقمر الجميل من حوله، النجوم تنير لكن الحياة لم تنقطع واصلها رغم الجروح والألم ومع اليأس قرر أن يعيشها بعقله قدر استطاعته، وان لا يترك فرصة لتلك المضغة التي بين الضلوع أن تهزمه، نوبات من اليأس القاتل كانت تتملكه لتبث سمومها في شرايينه مع انه كان يقاومها ويتعايش مع الواقع ويدوس على المعوقات، حيث انه لم يكن يرى أن للحياة معنى يعيشه سوى أنها روتين ينتهي بعرض الحلقة الأخيرة من مسلسل الواقع.

كان في سنته الثالثة يعيش حياته الجامعية ويعمل بمتطلباتها وبالتزام رغم غياب رونق الحياة عنها، حيث كانت قناعته تقول أن لا احد يستحق بعد ذلك، بهدوء استمر روتينه دون أن يعلم ما تخفيه له الأيام.

كل إنسان يتمنى الدخول إلى تجربة مع الآخر حتى وان كانت تلك التجربة من صنع خياله،لكن صاحبنا هنا دخل إلى تجربة لم يتدخل في أحداثها، حتى انه لم يأخذها على محمل الجد حتى جاء الذي يدعى اليوم الأخير الذي غيّر مؤقتا من قناعاته نحو من يستحق.

كان آخر لقاء في فصله الثاني قبل أن يعود لقضاء العطلة الصيفية في بلده، هذا اللقاء كان بمثابة مفترق طرق حقيقي، فتلك الليلة حلم حلما جميلا لم يحلم بمثله منذ أيام الطفولة يتذكر منه نظراتها الغريبة الخاطفة اللاسعة التي كانت كالسهم في القلب، يتذكر كلماتها التي تقول " أن في الحياة ما يستحق أن نعيش من اجله ونضحي من اجله " ، يتذكر أنها قالت "لا تترك الحياة تغلبك فأنت تمتلك القوة لمواجهتها "، لم يستطع النوم في تلك الليلة بعد أن استيقظ من ذلك الحلم لكنه أكد لنفسه أن ذلك مجرد حلم والواقع مختلف جدا.

لكن هذا الحلم ما لبث أن أصبح جزءا من حياة يعيشها، ظلت تتراءى له كل يوم وهي تجلس على حافة القمر وتكرر له نفس الكلمات التي قالتها في المرة الأولى، كانت تسرق منه لهفة النوم لكنه كان يستمتع بكلماتها ونظراتها.

خلف فيه هذا الحلم روحا جديدة للحياة روح التغيير، أصبح يضع أهدافا لغده ويبني آمالا على مستقبله يرمم معنوياته ليواجه الحياة وصعابها، انتهت العطلة الصيفية الطويلة وما زال الصراع الشرس بين حلمه الجميل وبين قناعاته الواقعية مستمرا دون سيطرة لأحد.

يبدأ عامه الدراسي الرابع بأحلام كبيره مقرونة ببطلة ذلك الحلم وبمشاعر متاججه مستنفره راغبة لمراقبة ما سيشهده العام الدراسي الجديد من تغيرات، كان ينتظر بفارغ الصبر ذلك اليوم الذي يرى فيه أحلامه تتحقق على ارض الواقع ، أصبحت رؤيتها بالنسبة له إدمان حقيقي فهو مستعد أن يدفع من وقته ساعات ،وان يرمي وراء ظهره كل المواعيد واللقاء آت رجاء رؤيتها، وان مر يوم دون رؤيتها تراه كالمجنون ينتظر اليوم التالي بفارغ الصبر ليسكت رغبته الجامحة برؤيتها، مع انه لم ينل منها سوى نظره باردة بطرف العين تتخللها ضحكة صفراء، إلا أنها كانت بالنسبة له كافيه ليستمر بحلمه الجميل.

من الصعب أن تعشق إنسان بجنون وأنت تعرف بأنه لن يكون في يوم من الأيام لك، كان مقتنعا بأنها لن تكون في يوم من الأيام له، لكن قلبه يرفض الاستسلام ويحاول أن يثبت العكس وان يتعلق بأحلام و أوهام و أماني.

استيقاف سريع غير مخطط له كان نتاج تلك التراكمات والتجاذبات وسرعان ما حل به الندم إذ انه لم يكن مقتنعا بطريقته لكنها كانت لحظة سيطرة قلبيه لم يستطع كبح جماحها، ازداد أمره سوءا على سوء فكل المواقف التي اصطنعها للقاء لم يستطع أن يوصل ما بداخله من خلالها، أو يبوح عما يجول بخاطره وعقله وان كانت المشاعر المحبوسة تخنقه وتمزقه إلى أشلاء صغيره تتطاير إلى السماء لتتكاثف على سطح القمر هنالك حيث عالم البوح المطلق.

لم يطق ذلك الوضع كان لا بد له من حل سريع لأنه شعر انه يركض وراء السراب، فهو لا يملك من الدنيا سوى الأحلام، جلس مع نفسه ليقومها ويضع حدا لتمرد قلبه وعصيانه فقد أضاع عليه هذا التمرد الكثير من الوقت مع انه كان في أمس الحاجة فيه للاجتهاد والالتزام، فهو على أعتاب التخرج فان لم يحسن صياغة الخاتمة خسر صورته المشرقة في عيون أولئك الذين يبنون عليه الآمال، فكان لابد أن يحسم الموقف قبل أن يسحبه طوفان الأوهام والأحلام إلى الهاوية.

ينتصف الليل، يسرح بخياله قليلا يدخل مرة أخرى بمتاهة الأحلام لتتراءى له تمشي بوقار رزين كأن خطواتها محسوبة نظرت إليه نظرتها المعهودة بطرف العين ابتسمت بسمه بريئة مرسلة إشارات القبول كرد على ما سبق وقدمه بطل الحلم الأول متأملة الرد الايجابي، بل أنها كانت متأكدة منه، لكنها صدمت هذه المرة وشربت من الكأس التي سقته له سابقا، لم تجد غير نظرة الرفض التي كان عنوانها العودة إلى الهدف الأصل الذي جاء هو متغربا من اجله، رأت في عينيه ابتسامات من يبنون عليه الآمال وينتظرون منه الانجاز أنهم عادوا إلى المقام الأول لديه، أطالت البحث عن نفسها ضمن أولوياته فلم تجد لنفسها تصنيفا، بل كانت ضمن حاشية المذكرات وليس كما اعتقدت أنها شغلت كثيرا من صفحات ماضيه القريب.

المصدر

http://www.najah.edu/?page=3134&news_id=5733

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق